فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الألوسي:
وأجيب عن قوله: من أين العلم إلخ بأنه من إعلام الله تعالى إن كان ذلك هو معنى النظم، ومنه يعلم أن كون زوجته غير قرية في حيز المنعم.
نعم في كون قصي هو أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كان مشركًا مخالفة لما ذهب إليه جمع من أن أجداده عليه الصلاة والسلام كلهم غير مشركين، وقيل: إن ضمير له للولد، والمعنى أنهما طلبا من الله تعالى أمثالًا للولد الصالح الذي أتاهما، وقيل: هو لإبليس، والمعنى جعلا لإبليس، والمعنى جعلا لإبليس شركاء في اسمه حيث سميا ولدهما بعبد الحرث، وكلا القولين ردهما الآمدي في أبكار الأفكار، وهما لعمري أوهن من بيت العنكبوت لكني ذكرتهما استيفاء للأقوال، وذهب جماعة من السلف كابن عباس ومجاهد وسعيد بن المسيب وغيرهم إلى أن ضمير {جَعَلاَ} يعود آدم وحواء عليهما السلام، والمراد بالشرك بالنسبة إليهما غير المتبادر بل ما أشرنا إليه آنفًا إلى أن قوله سحبانه وتعالى: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} تخلص إلى قصة العرب وإشراكهم الأصنام فهو كما قال السدي من الموصول لفظًا المفصول معنى، ويوضح ذلك كما قيل تغيير الضمير إلى الجمع بعد التقنية ولو كانت القصة واحدة لقيل يشركان، وكذلك الضمائر بعد، وأيد ذلك بما أخرجه أحمد.
والترمذي وحسنه.
والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها: سميه عبد الحرث فإنه يعيش فسمته بذلك فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره وأراد بالحرث نفسه فإنه كان يسمى به بين الملائكة» ولا يعد هذا شركًا بالحقيقة على ما قال القطب لأن أسماء الأعلام لا تفيد مفهوماتها اللغوية لكن أطلق عليه الشك تغليظًا وإيذانًا بأن ما عليه أولئك السائلون عما لا يعنيهم أمر عظيم لا يكاد يحيط بفظاعته عبارة.
وفي لباب التأويل أن إضافة عبد إلى الحرث على معنى أنه كان سببًا لسلامته وقد يطلق اسم العبد على ما لا يراد به المملوك كقوله:
وأني لعبد الضيف ما دام ثاويًا

ولعل نسبة الجعل إليهما مع أن الحديث ناطق بأن الجاعل حواء لا هي وآدم لكونه عليه السلام أقرها على ذلك، وجاء في بعض الروايات التصريح بأنهما سمياه بذلك.
وتعقب هذا القول بعض المدققين بأن الحديث لا يصلح تأييدًا له لأنه لم يرد مفسرًا للآية ولا إنكار لصدور ذلك منهما عليهما السلام فإنه ليس بشرك.
نعم كان الأولى بهما التنزه عن ذلك إنما المنكر حمل الآية على ذلك مع ما فيه من العدول عن الظاهر لاسيما على قراءة الأكثرين {شُرَكَاء} بلفظ الجمع؛ ومن حمل {فتعالى} إلخ على أنه ابتداء كلام وهو راجع إلى المشركين من الكفار، والفاء فصيحة، وكونه منقولًا عن السلف معارض بأن غيره منقول أيضًا عن جمع منهم انتهى.
وقد يقال: أخرج ابن جرير عن الحبر أن الآية نزلت في تسمية آدم وحواء ولديهما بعبد الحرث، ومثل ذلك لا يكاد يقال من قبل الرأي، وهو ظاهر في كون الخبر تفسيرًا للآية، وارتكاب خلاف الظاهر في تفيرها مما لا مخلص عنه كما لا يخفى على المنف.
ووجه جمع الشركاء زيادة في التغليظ لأن من جوز الشرك جوز الشركاء فلما جعلا شريكًا فكأنهما جعلا شركاء، وحمل {فتعالى الله} إلخ على الابتداء مما يستدعيه السابق والسياق وبه صرح كثير من أساطين ازسلام والذاهبون إلى غير هذا الوجه نزر قليل بالنسبة إلى الذاهبين إليه وهم دونهم أيضًا في العلم والفضل وشتان ما بين دندنة النحل وألحان معبد، ومن هنا قال العلامة الطيبي: إن هذا القول أحسن الأقوال بل لا قول غيره ولا معمول إلا عليه لأنه مقتبس من مشكاة النبوة وحضرة الرسالة صلى الله عليه وسلم، وأنت قد علمت مني أنه إذا صح الحديث فهو مذهبي وأراه قد صح ولذلك أحجم كميت قلمي عن الجري في ميدان التأويل كما جرى غيره والله تعالى الموفق للصواب.
وقرأ نافع.
وأبو بكر {شركًا} بصيغة المصدر أي شركة أو ذوي شركة وهم الشركاء. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} أي: كما طلبا: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} أي: أخَلا بالشكر في مقابلة نعمة الولد الصالح أسوأ إخلال، إذا استبدلوه بالإشراك. وقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} تنزيه فيه معنى التعجب.
تنبيه:
هذه الآية سيقت توبيخًا للمشركين في جنايتهم، ونقضهم ميثاقهم، في جريهم على خلاف ما يعاهدون الله عليه، وذلك أنه تعالى ذكر ما أنعم عليهم من الخلق من نفس واحدة، وجعل أزواجهم من أنفسهم ليأنسوا بهن، ثم إنشائه إياهم بعد الغشيان، متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة، ثم بين إعطاءهم المواثيق إن آتاهم ما يطلبون وولد لهم ما يشتهون، ليكونن من الشاكرين، ثم أخر عن غدرهم وكفرانهم هذه النعم، التي امتن سبحانه بها عليهم، ونقضهم ميثاقهم في إفراده الشكر، حيث أشركوا معه غيره في ذلك.
ونظير هذه الآية، في الإخبار عن تبديل المشركين نعمة الله كفرًا، قوله تعالى في سورة يونس: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وقد ذكر المفسرون هاهنا أحاديث وآثارًا تفهم أن المراد بهذا السياق آدم وحواء. ولا حاجة بنا إلى روايتها لأنها واهية الإسناد معلولة، كما بينه الحافظ ابن كثير في تفسيره.
وتقبُّل ثُلةٍ من السلف لها وتلقيها، لا يجدي في صحتها شيئًا، إذا أصلها مأخوذ من أقاصيص مسلمة أهل الكتاب، كما برهن عليه ابن كثير.
وتهويل بعضهم بأنها مقتبسة من مشكاة النبوة، إذا أخرجها فلان وفلان، من تنميق الألفاظ لتمزيق المعاني، فإن المشكاة النبوية أجلُّ من أن يقتبس منها إلا كل ما عرفت جودته.
إذا علمت ذلك، تبين لك أن من استند إلى تلك الأحاديث والآثار، فذهب إلى أن المراد بالنفس الواحدة وقرينتها، آدم وحواء، ثم أورد على نفسه أنهما بريئان من الشرك، وأن ظاهر النظم يقتضيه، ثم أخذ يؤوله، إما بتقدير مضاف، أي: جعل أولادهما له شركاء، فيما آتى أولادهما، وإما بأن المراد جعل أحدهما وهو حواء من إطلاق المثنى وإرادة المفرد، وإما بغير ذلك، فإنه ذهب في غير مذهب.
وقد قرر ما ارتضيناه في معنى الآية غير واحد.
قال الحسن البصري، فيما روى عنه ابن جرير: إن الآية عنى بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده.
وفي رواية عنه: كان هذا في بعض الملل، ولم يكن بآدم.
قال ابن كثير: والأسانيد إلى الحسن، في تفسير هذا صحيحة، وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية.
قال: ولو كان الحديث المرفوع، في أنها في آدم وحواء، محفوظًا عنده من رواية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما عدل عنه هو ولا غيره، لاسيما مع تقواه وورعه.
فهذا يدل على أنه- إن صح- موقوف على الصحابي، لا مرفوع. انتهى.
وقال القفال: إنه تعالى ذكر هذا القصة على تمثيل ضرب المثل، وبيان هذا الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم، وقولهم بالشرك. وتقرير هذا الكلام، كأنه تعالى يقول: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها إنسانًا يساويه في الْإِنْسَاْنية، فلما تغشى الزوج زوجته، وظهر الحمل، دعا الزوج والزوجة ربهما، لئن آتيتنا ولدًا صالحًا سويًا لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعمائك، فلما آتاهما الله ولدًا صالحًا سويًا، جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما، لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع، كما هو قول الطبائعيين، وتارة إلى الكواكب، كما هو قول المنجمين، وتارة إلى الأصنام والأوثان، كما هو قول عَبْدة الأصنام.
وقال الناصر في الانتصاف- متعقبًا على الزمخشري-: الأسلم والأقرب- والله أعلم- أن يكون المراد جنسي الذكر والأنثى، لا يقصد فيه إلى معين، وكأن المعنى- والله أعلم- خلقكم جنسًا واحدًا، وجعل أزواجكم منكم أيضًا، لتسكنوا إليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر، الجنس الآخر، الذي هو الأنثى، جرى من هذين الجنسين كيت وكيت، وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس، وإن كان فيهم الموحدون، على حد بنو فلان قتلوا قتيلًا، يعني من نسبة ما صدر من البعض إلى الكل.
فائدة:
قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة هذا الآية أنه تعالى لما قال: {فَلَمَّا أثْقَلت}.
جعل حال الإثقال يخالف ما قبله، وأنه يختص فيه الدعاء لأجل أنه حال الخوف.
وقد ذهب الهادي إلى أن الحامل إذا أتى عليها من الحمل ستة أشهر، كانت تصرفاتها كتصرفات المريض، تنفذ من الثلث. وهو قول مالك والليث، واحتجا بالآية، لأنه تعالى فرق بين حال الخفة والإثقال.
وقال غيرهما: تصرفها من الجميع، ما لم يأخذها الطلق. قلنا: إنه يجوز عليها بعد الستة، وضع الحمل في كل وقت. انتهى.
ثم قال: ودلت الآية على أنه يجوز الدعاء لطلب أمور الدنيا، وإن حصول الولد منة يجب الشكر عليها. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعنى {فلما آتاهما صالحًا} لما آتى من آتاه منهم ولدًا صالحًا وضمير {جعلا} للنفس الواحدة وزوجها، أي جعل الأبوان المشركان.
والشِّرْك مصدر شَرَكه في كذا، أي جعلا لله شركة، والشركة تقتضي شريكًا أي جعلا لله شريكًا فيما آتاهما الله، والخبر مراد منه مع الإخبار التعجيب من سفه آرائهم، إذ لا يجعل رشيدُ الرأي شريكًا لأحد في ملكه وصنعه بدون حق، فلذلك عُرف المشروك فيه بالموصولية فقيل {فيما آتاهما} دون الإضمار بأن يقال: جعلا له شركًا فيه: لما تؤذن به الصلة من فساد ذلك الجعْل، وظُلم جاعله، وعدم استحقاق المجعول شريكًا لما جعل له، وكفران نعمة ذلك الجاعل، إذ شَكَر لمن لم يُعطه، وكفر من أعطاه، وإخلاف الوعد المؤكد.